بأقلامنا

كلمة الشاعر زاهي وهبي في تكريم محمد الزيات

 

أن نكرِّم المناضلَ اللبناني العربي الكبير محمد الزيات بعد أكثر من ستين عاماً على رحيله الجسدي، يعني أننا نكرِّم ونحتفي بالقيم الإنسانية والنضالية التي جسدها هذا المقاوم الشاب الذي أدرك بوعيه  المبكر وانتمائه الأصيل، أن هذه القيمَ هي السبيلُ الوحيدُ للتحرر والانتصار، وهذا ما تحقق ويتحقق بتضحيات المقاومين والمناضلين الذين بذلوا أرواحهم فداء الأرض التي تقدَّست ببركةِ استشهادهم وفيضِ دمائهم.

والاحتفالُ بمحمد الزيات وبما يمثّله في الذاكرة والوجدان هو احتفاء بالإرث النضالي الذي تراكم جيلاً تلو جيل حتى وصلنا إلى لحظة الانتصار المنشودة، والتي لن تكتمل إلا باستعادةِ حقوقِ الناسِ المسلوبة، والقضاءِ على سرطانِ الفسادِ المستشري في بدنِ الدولةِ والمجتمعِ والناس. ومتى فعلنا، نكون حقاً حينَها أمناءَ لروح محمد الزيات، وأرواح الشهداء الذين قضوا تباعاً وما بدلوا تبديلاً في سبيل عزة الإنسان وكرامته وحقه بالعيش الحرّ الكريم.

وحين نستعيدُ ذكرى المناضل المؤسس محمد الزيات إنما نستعيد زمنَ النضال الصادق الواضح، زمنَ ذوبانِ الفردِ في الجماعة لا ذوبان الجماعة في الفرد، نستعيدُ زمنَ الأنا المترفِّعة لا الأنا الجشِعة المُترَفة، زمنَ ذاك الجيل من الرواد ،المؤسسين لحركةِ الوعي القومي العابرِ للطوائف والمذاهب، المنتصر للانتماء الوطني والقومي، المتطلعِ نحو الجهةِ الصواب، نحو فلسطين التي كانت أول الجراح وأولى النكبات، ولن تكون بإذن الله آخر الانتصاراتِ، بل بداية انتصاراتٍ آتيةٍ لا محال.

تكريمُ محمد الزيات بعد كل العقود التي مرت على رحيلِه المبكرِ والمفجعِ في ريعان شبابه وعزِّ عطائه، وبعد كلِّ ما عشناه ونعيشه من نوائبَ ومحن، تكريمٌ يجدد فينا الإيمانَ بأن المناضلَ لا يموتُ، والتضحياتِ لا تذهبُ سدىً، بل تبقى وتُخلَّد وتغدو خميرةً مباركةً لجيلٍ تلو جيل في هذه الأرض المباركة حيث المقاومة جزء من جيناتنا الوراثية ومن قدرِنا المحتوم وخيارِنا الثابت، وما حصدناه ونحصده من انتصار وصمود جذورُهُ ضاربةٌ في تربة الوعي منذ كربلاء حتى قانا، ومنذ دير ياسين حتى مخيم جنين، ومنذ أول رصاصة حتى زغاريد التحرير.

ولا يغيبُ عنا في هذه المناسبة الاستثنائية أن انخراط الزيات في النضال القومي لم يصرفه عن النضال الوطني والطبقي ضد الإقطاع السياسي الفاسد والمفسد، وضد السلطة المستبدة دفاعاً عن حقوقِ العمال والفلاحين والمزارعين وكافة شرائح المجتمع المضطهدة. فكان مثال المناضل المنحاز لآلام الفقراء وآمالهم وحقهم البديهي في الحياة الحرة الكريمة.

تحية لمدينة صور التي تتكسر على شطآنها كل

الأمواج العاتية، تحية للمدينة المضمخة برذاذ الأبيض المتوسط ورائحة زهر الليمون، تحية لمدينة المقاومة والوحدة الوطنية حيث تتناغم تكبيراتُ  الأذان مع قرع أجراسِ الكنائس، تحية لمدينة صور، لبلديتها وناديها العريق وجمعية تضامنها الثقافية، وللجنة التكريم على هذه المبادرة التي، كما أسلفت، تجدد فينا الإيمان بأن منَ يزرع الخير والنخوة والنضال يزهرُ  إلى الأبد في الذاكرة والوعي والوجدان.

عاشت ذكرى محمد الزيات

عشتم وعاش لبنان عاشت فلسطين وعاش وطننا العربي الكبير.

زر الذهاب إلى الأعلى