تحقيقات

زبدة التفكير في رفض السبّ و التكفير للعلامة السيد علي الأمين: آراء جريئة لردم الهوّة بين المسلمين السيد علي الامين

مجلة الشراع – لبنان – 10 آب 2009 لأن الصراع ((السني – الشيعي)) يُعاد إنتاجه لأسباب سياسية مصلحية لا دينية، ولأن تجلياته على مستوى العوام يسبب المنغصات لكل ذي عقل رشيد و((لأن مسألة التكفير لها آثار عملية سلبية في حياة المسلمين اليوم))، يأتي كتاب العلامة السيد علي الأمين ((زبدة التفكير في رفض السبّ والتكفير)) واضحاً في رفض سب صحابة الرسول (ص) مبيناً خطأ من قال به من بعض علماء الشيعة ومفنداً رأيهم.   الكتاب الذي هو مضمون مقابلة تلفزيونية مع قناة ((المستقلة)) الفضائية، وأثارت أسئلة واستفسارات وردت إلى مكتب السيد وأجوبته عليها، يظهر ما طرأ في البنية الفكرية الشيعية من تطور كبير وجذري، فالكتاب يرفض صيغ مفاهيمية قديمة تحرض على الخلاف مع بقية المسلمين ويحارب مخلفات الفكر الإنغلاقي القديم بل يدعو إلى السير نحو المعاصرة والديموقراطية.   فمسألة الخلافة وما أحدثته من ارتدادات حتى اليوم ((أصبحت مسألة بلا موضوع وليس لها اليوم من أثر عملي في حياة المسلمين وصار البحث عنها يشبه البحث التاريخي الذي ينطبق عليه قوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون). ولم يعد لهذا البحث من هذه الناحية تأثير في دولنا وشعوبنا ومجتمعاتنا المتعددة الأديان والطوائف والمذاهب حيث أصبح من اللازم والمهم أن نبحث عن طريقة إنتاج السلطة والحكم بما ينسجم مع واقعنا المعاصر دون أولوية طائفة على أخرى ولا مذهب على آخر ولا شعب على آخر، حيث لم يبق معنى للأولوية المتنازع عليها بعد وفاة الرسول (ص) في عصرنا الحاضر وصولاً إلى عصر بداية الغيبة مع ان هذه الأولوية لم تمنع من اعتراف الأولى والأفضل عندنا بسلطة المفضول والتعايش معه في كل العهود وإذا كان خوف الفتنة بين المسلمين هو ما دفع علياً (ع) إلى عدم المطالبة بحقه في الخلافة، فإننا نسأل أليس هذا الخوف من الفتنة ما يزال قائماً؟ ولماذا لا نتبع الإمام علياً (ع) في ذلك؟ وهل الخلاف المستمر الذي تركه صاحبه؟! وهو الذي ((طوى عنه كشحاً وأسدل دونه ثوباً)).   فمن هذا المنطلق ومن منطلق قرآني بالأساس، و((لأن المذهب الجعفري من خصائصه فتح باب الاجتهاد فيه ولذلك لا يكون رأي شخص ممثلاً للمذهب، فالمذهب هو حالة فكرية متحركة وليس حالة فكرية وعقائدية جامدة بحيث يمكن أن يمثلها شخص أو أشخاص إلا في الضرورات والثوابت التي يكون هناك إجماع عليها من مختلف العلماء في شتى الأمصار ومختلف الاعصار)).   يرفض السيد الأمين ما ذهب إليه الشيخ المفيد وهو من علماء الشيعة الكبار من ان الخلفاء الراشدين الثلاثة السابقين للإمام علي ((فساق ظالمون عصاة وفي النار بظلمهم مخلدون)) مستنداً في ذلك إلى ((الأسس والقواعد التي درسناها وتعلمناها في الحوزات والمعاهد الدينية والقواعد الفقهية التي درسناها وتعلمناها عند العلماء الأعلام، من خلال هذه القواعد نرفض مثل هذا الرأي الذي يكفر أهل القبلة)). موضحاً ان هذا الرأي ليس ((رأياً ثابتاً في المذهب وليس أصلاً من أصول المذهب، يعني تكفير الصحابة الذين سبقوا أمير المؤمنين، أو الذين جاؤوا بعده ليس من أصول المذهب وليس من شروطه وفضلاً عن انه ليس من أصول الدين أيضاً فهو مجرد اجتهاد شخصي)).   وينقل السيد الأمين أجواء معاصرته لكبار المجتهدين والمفكرين ممن لهم مكانتهم العلمية في النجف ((لم نعهد انهم كانوا يقولون لنا مثلاً بأن هذا التكفير هو شرط من شروط المذهب الجعفري لأنهم هم ليسوا حراساً للمذهب)) نافياً ما أورده الشيخ المفيد حول إجماع الإمامية على هذا الأمر لأن ((مثل هذا الإجماع ليس حجة وليس دليلاً لأن الاجماع المدعى إما هو إجماع منقول أو محصّل، والاجماع المنقول ليس حجة والاجماع المحصل ليس محصلاً، فمن قال بأنه هو حصّل هذا الاجماع؟ أو انه أحصى علماء الشيعة الذين سبقوه طراً وانهم ذهبوا إلى هذا الرأي؟ ثم ان هذا الاجماع المحصّل إنما يكون حجة عند الشيخ المفيد وعند من تأخر عنه من العلماء إذا كان الإمام المعصوم موافقاً عليه أو كان في ضمنه كما يقال وهذا ما لا يمكن أن يثبته الشيخ المفيد نفسه ونحن لا توجد لدينا طريق لإثباته أيضاً)).   لا يجب تقليد المرجع.. وفي معرض رده على ما نقله له مدير الحوار من مقولة المرجع الشيعي السيستاني ((من لم يؤمن بالله أو النبـي لا يكون مؤمناً، كذلك لا يكون مؤمناً من لم يؤمن بالإمام)) – يزيح السيد الأمين الكثير من الغبار والتراكمات التاريخية عن رأي المذهب ((فهذا الرأي المسجل على موقع السيد السيستاني لا يجب تقليده فيه وفي غيره من المسائل التاريخية ومن المسائل العقائدية التي لا يجب التقليد فيها، فقد يكون له رأي تاريخي أو رأي في عقيدة معينة، فلا يجب تقليده في مثل هذه الأمور ولا يكون رأيه فيها أيضاً معبراً عن وجهة نظر المذهب)) ((فأهل الاختصاص يقولون بأن التقليد في الموضوعات غير واجب وغير صحيح، يعني يمكن أن يعتقد السيد السيستاني بأن هذا السائل في الاناء هو خمر، وطرف آخر يعتقد انه ماء، فهنا لا يجب تقليده في ان هذا السائل هو خمر، لأنه في الموضوعات لا يصح التقليد ولذلك هو عندما يقول بأن الصحابة مثلاً ارتدوا فهذا رأيه في موضوع من الموضوعات التي لا يجب فيها رجوع المقلدين إلى مقلدهم فيها وإنما هم بإمكانهم أن تكون لهم انظارهم في هذه القضية)). أصول المذهب وأصول الإسلام يرى الأمين بأن الشروط التي يتم بها الاسلام هو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله والإيمان باليوم الآخر، ((هذا كان رأي جملة من فقهائنا الذين عاصرناهم وكان هذا رأيهم والسيد الخوئي كان استاذاً للسيد السيستاني ورأي السيد الخوئي مثبت بأن من وجدت فيه هذه الأمور الثلاثة الإيمان بالله والإيمان برسوله واليوم الآخر، هذا يحكم بإسلامه وبإيمانه واما اصول المذهب ومنها الايمان بالامامة هذه ليست دخيلة في ان يصبح الانسان مسلماً وانما هي من اصول المذهب، كأي مذهب من المذاهب الاسلامية وليست من اصول الاسلام)).   خطأ في المنهج ((فمصطلح الايمان عند جملة من فقهاء المذهب الجعفري يقصدون بالايمان هو الامامي الاثنا عشري، وطبعاً هذا خلاف المعنى القرآني: ونحن نعتقد ان هذا مصطلح جاء متأخراً عن عصر نزول الآيات بعد عصور متعددة.. حاول بعضهم ان يحمل لفظ الايمان الموجود في القرآن الكريم معنى مذهبياً وهذا امر لا يستقيم لأنه لا معنى لأن تحمل لفظ الايمان الذي ورد في القرآن الكريم معنى اصطلاحياً جاء بعد قرون من زمن النـزول.. يعني مثلاً كان هناك مؤمنون في عهد رسول الله وتوفوا قبل ان تطرح مسألة الامامة وما شاكل فماذا نصنع بهؤلاء؟!.. نحن نفهم ان معنى الايمان هو الايمان بهذه الاصول التي ذكرها القرآن الكريم: الايمان بالله وبرسوله وملائكته وكتبه طبعاً مع العمل..)) فكلمة الايمان موجودة وتطلق حتى على اهل الكتاب في القرآن الكريم ((وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم)، فكلمة ايمان تطلق حتى على اهل الكتاب في القرآن: من هنا نحن نرفض ان يكون هذا المصطلح على اساسه يتم حصر الايمان بفئة خاصة بالمؤمنين بالأئمة))، ((ان هذا المعنى امر اصطلاحي ادخلوه في الفقه والتفسير وانسحب الى العقائد وحاولوا ان يسقطوه على النصوص السابقة على زمن المصطلح وهذا يعتبر من ناحية منهجية خطأ في التفسير وفي الاجتهاد)).   بين الامامة السياسية والدينية لأن المشكلة في الفكر الطائفي الذي يمزق الناس بين شيعة وسنة ناتجة من فكر قديم موروث يعتمد على معارك تاريخية بائدة مثل مسألة الخلافة في النص عند الشيعة التي بقي منها نظرية تاريخية لأن اهل البيت لم يعودوا موجودين، ولأن هذه النظرية تولد مخلفات وموقفاً سلبياً من الصحابة الثلاثة الذين تولوا الخلافة وتحدث شرخاً ثقافياً بين المسلمين، يقول الامين ((لأن الامامة التي هي عهد الله تبقى ثابتة في كل الاحوال وهي تجعل منه الاولى والافضل لقيادة الامة سياسياً، فإن اختارته الامة لقيادتها فقد اختارت رشدها وان تركته فقد اخطأت حظها ولم تخرج بذلك عن دينها وهذه هي الامامة السياسية التي زهد فيها الامام.. واما الامامة الوارثة للنبوة فلم يزهد بها الامام وغيره من أئمة اهل البيت كما حصل للامام الرضا الذي رفض تولي القيادة السياسية للأمة ولكنه بقي اماماً من ائمة العترة الطاهرة)).   ويفصل الامين في الخلافة السياسية التي هي منصب دنيوي وليست عناية الهية مستشهداً بقول الامام علي (وان هذه النعل افضل عندي من امرتكم الا ان اقيم حقاً وأدفع باطلاً)) وغير ذلك من الكلمات التي تكشف عن عدم تمسكه بالخلافة بالمعنى السياسي وعن عدم السعي اليها، ((فالامامة ليست موضع شك عندنا وهي ثابتة على نحو القطع واليقين ولا يؤثر في ثبوتها عدم تمكن الامام من القيادة السياسية للامة لأن الامامة لا تزيد على النبوة التي كان الهدف الاساسي منها هو مشروع الهداية والارشاد الى سواء السبيل.. واذا نظرت الى تعداد الانبياء عبر التاريخ ادركت ان الهدف لم يكن الوصول الى السلطة السياسية لأن الذين وصلوا كانوا عدداً قليلاً قي مقابل تلك الالوف المؤلفة من الانبياء والرسل، نعم لقد قلنا بأن النبوة تعطي الاهلية للقيادة السياسية النموذجية وهي تصبح فعلية من خلال وعي الناس وإرادتهم على قاعدة قوله تعالى ((انلزمكموها وأنتم لها كارهون))، والامامة الوارثة لدور النبوة في حفظ الشريعة وهداية الناس ولكنها بدون وحي الهي هي لا تزيد عن دور النبوة في حياة البشر، ولا تستلزم الامامة القيادة السياسية كما جاء في قوله تعالى عن ابراهيم (ع) (اني جاعلك للناس اماماً..) ولكنه لم يستلم القيادة السياسية في مجتمعه فإن تنصيب النبي (ص) لعلي (ع) اماماً لا يكون اكثر دلالة من جعل الله لابراهيم اماماً.. وهكذا الحال الذين لم يصلوا الى السلطة السياسية ولم يطالبوا بها فإن ذلك لم يخرجهم عن موقع الامامة ودورها في نشر تعاليم الرسالة والمحافظة عليها)).. منتقداً من يقلل من شأن الامامة في الدين مع انها عهد الله تعالى وهي الوارثة للنبوة! ((وهل لا يكتمل شأنها ولا ترتفع درجتها الا بالسلطة السياسية وهي من العرض الزائل والسند المائل ومتاع الايام القلائل؟!! وبعد، فإن آراء السيد الامين هي الاوضح والأجرأ بين علماء الدين الشيعة، والاكثر اقتراباً لما يجول في خواطر كثيرين حول هذه الامور من ابناء المذهب، مما يفتح الباب امام كثير من الدراسات التاريخية والفقهية التي تردم الفجوات بين المسلمين وتزيل اثر التراكمات التاريخية للتراشق السياسي بين المذاهب مما يصنع نخبة اصلاحية ولو متعارضة مع المزاج الشعبي، لكن الاهم انها تمتلك ادلة علمية، وتقوم على اسس متينة، مما يؤهلها ان تتحول الى تيار ينتشر بين الناس

زبدة التفكير في رفض السبّ والتكفير للعلامة السيد علي الأمين : آراء جريئة لردم الهوّة بين المسلمين

زر الذهاب إلى الأعلى