أخبار لبنان

المرتضى من المكتبة الوطنية: علينا ان نجترح الوعي ونحرس لغتنا ونتمسك بها تمسُّكَنا بالعيش معًا وأن نجهد لكشف الغنى الذي تكتنزه مكانيَّتُنا اللبنانية ومكانَتُنا اللبنانية

وطنية – نظمت وزارة الثقافة بالتعاون مع جمعية “آداد” ندوة بعنوان “الكنعانية لغة ووجود ” برعاية وحضور وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال  القاضي محمد وسام المرتضى الذي أفتتح الندوة بمداخلة شدد فيها على اللغة وحدها قادرة على فعل الاجتذاب هذا وهي وحدُها أيضًا الشعلة الشفهية والمكتوبة التي تؤكد لنا بالشواهد أن لبنان ليس الثقافة فحسب بل هو روح الثقافة أيضًاً.

ومما جاء في كلمة الوزير المرتضى :”المتوغّلون والمنقّبون في التاريخ يفيدون أنَّ الحضارة الكنعانية من أقدم الحضارات، ولأنَّ اللغةَ مسبارُ الشعوب نستشهدُ على سبيل المثال لا الحصر بتلك المتداولة في صور في الحقبة الكنعانية والتي شهدت على أوّل استعمال للأفعال تصريفًا وإعرابًا قبل ان تحذو حذوها العربية لاحقًا. “

وقال :”أضاء اللغويون على ابتداع الفعل المضارع في الكنعانية ما يشكّلُ علامةَ ديناميةٍ كانت تعكس ارادة اجتراحِ التطوير ولذلك لا يمكن فصلُ اللغةِ عن نموّ الحضارة والثقافة وعن فعل التغيير والتطوير. اللغةُ والفعلُ توأمان لا ينفصلان“.

أضاف:”وملفِتٌ وعميقٌ أيضًا في استثارةِ الوحي والوعي ما يمكن قراءته عبر استنطاق خبايا النصوص حيث تتضمن اللغة الكنعانية ” أل ” التعريف ، كأن يُقالَ مثلًا أنَّ والد ” الإله بعل ” هو حامي “ال” ” قار ” اي ” حامي القلعة ” باللغة العربية ، أما ” ألف ” التعريف في كلمة ” الران” على سبيل المثال في الكنعانية فتعني ” القبر ” قبل أن نقرأها في القرآن الكريم ” كلا بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون” والمقصود أُغلِقَ على قلوبهم ، ما يكشف لنا الدور الذي لعبته الكنعانية المتماهيةُ مع الآراميةِ في دفع عجلة التواصل بين شعوب المنطقة حتى أن بعض المؤرخين أفادوا ان اللغة هذه اعتمدتها الشعوب  من نهر السند الى المحيط الأطلسي حوالي ١٢٠٠ سنة قبل الميلاد وحتى القرن الاول الميلادي“.

تابع:”وعمّا اذا كان السيد المسيح قد تكلّم اللغة الكنعانية فتفيد الدكتورة مي ضاهر يعقوب في كتابها “الإنسان والله” أن اللغة التي تكلم بها المسيح وتلاميذه كانت الآرامية التى كانت منتشرةً فى الجليل حينها وجنوب لبنان، فضلاً عن التحدث بالكنعانية انما بلهجتها الفينيقية ما يُستَدَلُّ منه أيضًا أن الفينيقيين لم يفلحوا في بناء أساطيلهم البحرية الا لأنهم بنوا أسطولهم اللغوي الكنعاني الذي أعانهم على التواصل مع الشعوب التي أبحروا إليها حاملين أرجوانهم وسائر خيرات بلادنا”.

وقال: “نعم تتماهى اللغةُ مع الناطقين بها لكنها تتجسد في الأرض التي تنمو فيها وتصبح جزءًا منها لاننا لا نستطيع ان نكون جزءًا من الأرض دون ان نكون جزءًا من اللغة. اللغةُ انتماءٌ كاملٌ والأرض هي الإطار التواصلي الذي يبحث دائمًا عن كنعانيةٍ مقروءة ومكتوبة وملفوظة كثلاثية جاذبة للحضارة ومؤسِّسَة للكينونة.”

تابع :” نعم اللغةُ كينونة وهو مصطلح أقوى من الكيان ولذلك نحن كلبنانيين التي زهّرت في أرضنا اللغة الكنعانية أصحاب كينونة لا أصحاب كيان فقط. ومن هنا نحن مدعوون ربما أكثر من أي شعب في العالم لعَيش إنسانية الإنسان في كينونتنا، فلا كينونة من دون لغة مأنسَنَة ولا كينونة أيضًا من دون إنسانِ، اللغة الكنعانية أمَّنَت تواصل الحضارات وتعاونها الطبيعي في المسار التاريخي وقد تآلَفَت في حركة مضادة لصدام الحضارات. اللغة بَنَتْ والجهل دَمّر وحيث يحل الجهل تنتفي المعرفة وعندما تنقطع سبل المعرفة نقتل الله في ذواتنا ونغتال انسانيةَ انسانيتنا“.

واردف :”نحن معنيون بوصل ما انقطع من الكنعانية الى العربية وهذه الرسالة لا يمكن ان يحملها الا لبنان، هذا البلد الذي لولا شطحات المبالغة لقلنا ان الله سبحانه وتعالى هو من سَمّاه وعليه نحن مدعوون أيضًا أن نقارب اللغة كأداة للوعي الجَمعي لأنها كينونية أي تضعنا جميعًا في مركبٍ واحد فأما نغرق ببَلبَلَةِ الألسُن وإما نعومُ ونحدد وجهتنا لألف سنةٍ مقبلة  بتآلفِ الألسنة“.

وشدد على انه “من الكنعانية الى العربية لا بل الى إتقان كل لغات العالم علينا ان نجترح الوعي ونحرس لغتنا ونتمسك بها تمسُّكَنا بالعيش معًا وأن نجهد لكشف الغنى الذي تكتنزه مكانيَّتُنا اللبنانية ومكانَتُنا اللبنانية، الأولى لأن أرضنا مقدسة من جبيل الى حرمون الى كل دسكرة من لبنان حيث لا تطأُ رجلاكَ مكانًا في هذا الوطن الرائع الا وترى أثرًا تاريخيًا يحفر عميقًا في الأمكنة. لبنان الحضارة هذا نغتاله عندما نحوّلُ طوائفنا الى طائفية وعندما نتوقف عن استعمال لغتنا في غير البحث عن المعرفة والمحبة وإن لم نعِش في لغتنا الخطفَ والقطفَ عبثًا نحاول مُلكًا. أن نعيش اختطافنا علْويًّا وأن نقطِفَ الحكمة من الخطف.”

ولفت الى ان “اللغة وحدها قادرة على فعل الاجتذاب هذا وهي وحدُها أيضًا الشعلة الشفهية والمكتوبة التي تؤكد لنا بالشواهد أن لبنان ليس الثقافة فحسب بل هو روح الثقافة أيضًاً. لقد خصصنا الله بالمكانية والزمانية، خصصنا بالجبل والبحر وحريٌّ بنا كلما تأملنا بالبحر أن نصبحَ مُتَرَحِبّينَ في الرحابةِ والتَّرحاب أي أن نذهب نحو الآخَرِ وليس نحو أنفسِنا فنخرجُ من مربعاتنا الصغيرة وندخل في المدى الأوسع وهو مدى انسانيتنا.”

وختم :”وقبل ان نبحر وايّاكم في رحلةٍ ثقافيةٍ متميّزةٍ على متن مركبٍ له ربّانان متماهيان منسجمان، هما الاكاديمي والمهندس مكرم غصوب، ابن بلدة الفريكة، الشاعر المرهف المتبحّر في ثقافةٍ ولّدت فيه وعياً جعله يتسنّم الأرقى والأسمى من مصاف المواطنية المثلى، والثاني هو المستشرقٌ الالماني الدكتور سيباستيان هاينه الذي يسحرك بتوغلّه في تاريخ اللغات وآدابها ويبهرك بمُكنته في اكثر من خمس عشرة لغةً منها العربية التي عشقها حتى الإتقان هذا فضلاً عن قدرته على التواصل بأكثر من خمسين لغةٍ راهنةٍ وغابرة. قبل ذلك أختم معكم بالقول إنّ الكنعانية مدماكٌ ولُبنَةٌ في عمارةِ إنسانية إنسانيتِنا وعلينا صيانَتَها والحفاظ عليها والسلام”.

وبعد تقديم كل من المهندس غصوب والمستشرق الألماني مداخلته منح  الوزير المرتضى  لكل منهما شهادة تقديرية على جهودهما في المضمار الثقافي”.

زر الذهاب إلى الأعلى